رغم أن الجميع يدرك تمامًا ما جرى بين الشمال اليمني، بقيادة علي عبد الله صالح، الذي أتقن “الرقص على رؤوس الأفاعي” لثلاثة وثلاثين عامًا، قبل أن تلدغه تلك الأفاعي نفسها في نهاية مأساوية، أعادت إلى الأذهان مصير كل مستبد، من موسوليني إلى القذافي، وصولًا إلى العفاش علي عبد الله صالح.
في المقابل، دخل علي سالم البيض مشروع الوحدة بنوايا صادقة، وهو أمر ليس غريبًا على أبناء الجنوب، المعروفين بصدق النوايا والأمانة على الأرض والعِرض، وبالنقاء في الموقف إلى أبعد الحدود. غير أن هذه الروح الصافية لم تُقابل بنوايا مماثلة، بل ووجهت بخبث سياسي منظم، قاده علي عبد الله صالح، متحالفًا مع عبد المجيد الزنداني، زعيم تنظيم الإخوان المسلمين (فرع اليمن)، لتتحول الوحدة من شراكة إلى أداة للهيمنة والنهب والإقصاء.
ما يثير الاستغراب، بل الصدمة، هو موقف اليسار العربي بمختلف أطيافه؛ من ليبراليين وماركسيين واشتراكيين، فضلًا عن تنظيمات لا حصر لها، يُفترض – نظريًا وأخلاقيًا – أنها تقف مع تحرر الشعوب وحقها في تقرير مصيرها. لكننا نجد هذا اليسار، في القضية الجنوبية تحديدًا، يقف في الجهة المعاكسة تمامًا، في موقف يصعب فهمه أو تبريره.
ولم تتوقف أزمة اليسار العربي عند حدود الصمت، بل تجاوزته إلى مهاجمة كل من يقف مع الحق الجنوبي، والتشكيك في عدالة قضيته، رغم أن هذا الحق سُلب بحرب عسكرية شاملة الأركان عام 1994، تحت شعار زائف: “الوحدة أو الموت”. حرب دفع ثمنها الشعب الجنوبي دمًا وكرامة، وما يزال يدفع ثمنها منذ أكثر من خمسة وثلاثين عامًا، عبر دماء شبابه، دفاعًا عن كرامة أُهينت، وأرض نُهبت، وهوية جرى طمسها باسم وحدة مفروضة بالقوة.
إن التاريخ لا ينسى المواقف، وموقفي – والحمد لله – كان ولا يزال ثابتًا ومبدئيًا، لا يتبدل بتبدل الظروف ولا تحكمه الحسابات الضيقة. فكما أقف مع الحق الفلسطيني دون تردد، أقف مع الحق الجنوبي بلا مواربة، وكما أدافع عن حق الشعوب في تقرير مصيرها في أي مكان من العالم، أدافع عن حق شعب الجنوب العربي في استعادة دولته وقراره وسيادته.
ويبقى السؤال المشروع:
كيف سيكون موقف الشعب الجنوبي وهو يرى هذا التجاهل، بل العداء، من قِبل يسارٍ يدّعي نصرة المظلومين؟